بعثت هذه الرسالة عن طريق البريد في 25 نوفمبر 2016 إلى العنوان التالي :
رئاسة الجمهورية التونسية
قصر قرطاج
2016  قرطاج – تونس

PDF

بسم الله الرحمن الرحيم

25 أكتوبر 2016

إلى فخامة السيد رئيس الجمهورية التونسية،

الموضوع : حل القضية الفلسطينية

تلخيص

سيدي الرئيس،

بإمكان تونس اتخاذ الصدارة في الدفاع على القضية الفلسطينية حتى النصر، وذلك بوضع استراتيجية شاملة على مدة 30 أو 50 سنة و بتفعيلها في أقرب وقت. يكون ذلك من خلال تأسيس لجنة خبراء من أعلى الكفاءات التونسية و يقومون بتشخيص الوضع ورسم الاستراتيجية. تكون هذه اللجنة مدعومة من رئاسة الدولة، لأن رئاسة الدولة مدعومة من الشعب، والشعب كله مصطف وراء هذا المشروع ومستعد لنصر فلسطين، ولأن رئاسة الجمهورية أيضا راعية للدستور، و توطئة الدستور تنص على الانتصار على “حركة التحرر الفلسطيني”.

وفيما يلي تفاصيل هذا المقترح.


إلى فخامة السيد رئيس الجمهورية التونسية،

الموضوع : حل القضية الفلسطينية

تحية طيّبة وبعد،

سيدي الرئيس، وللتعريف بشخصي البسيط، أنا مفكر و كاتب تونسي. أهتم خاصة بالفلسفة والاستراتيجية العامة. أقترح عليكم بهذه الرسالة حلا للقضية الفلسطينية، وأردت بسطه على سيادتكم، لعلكم تجدون فيه مصلحة لتونس و للناس بصفة عامة. وقبل أن أطرح على سيادتكم هذه الفكرة، أود أن أشرح لكم أولا كيف نبعت وما دفعني إلى كتابة هذه الرسالة.

أعتقد أن ليس هناك بين الدينين الإسلامي و اليهودي أية عداوة، و أن الخلاف في فلسطين هو فقط قضية احتلال و حدود. وأعتقد أيضا أنّ لكل خلاف و لكل حرب بداية و نهاية. فلا شك أن هذا الخلاف سينتهي كما انتهت كل الحروب و كل الخلافات قبلها. لكن متى ؟ و ما الذي يجعل حروبا دامية و طائلة تنتهي في يوم ما ؟ أظنّ أنّ ذلك يحصل بمرور الزمن طبعا، و بتغير موازين القوى والمعادلات الدولية والإقليمية. ويحصل ذلك أيضا بنضج الشعوب التي ترفض الحرب و التهور و تلجأ إلى السلام و المحبة. ولا يحصل ذلك إلا إذا قامت الشعوب ورفضت التدخلات الأجنبية و ضغطت على حكامها للسير نحو السلام. و لا يحصل ذلك أيضا إلا إذا توفرت لدى الناس كل وسائل المعرفة و الوعي و الثقافة، و خاصة لدى الأطفال والشباب.

أنا لا أرغب في أن أثقل عليكم بحوار طويل وعمومي، فماذا يمكننا أن نفعل ؟

إلتقيت في يوم من الأيام، في كندا، بشابة إسرائيلية تبلغ من العمر عشرون عاما، قالت لي أن أغلبية القنوات الفضائية العالمية كالفرنسية و الأمريكية بما فيها فرانس 24 و سي أن أن و بي بي سي و حتى فوكس نيوز تدافع عن الفلسطينيين و تشوه صورة إسرائيل في العالم ! فتعجبت من كلامها وسألتها كيف ذلك. فقالت لي أن القنوات العالمية لا تبث المعلومة الصحيحة وتدافع على فلسطين فقط، و أن الإسرائيليين في الحقيقة يريدون الحوار و السلام و لكن الفلسطينيين والعرب يريدون محو الإسرائيليين من سطح الأرض! فسألتها أن تمدني بمصدر أخبارها إذا كان من الممكن قراءته بلغة كالإنجليزية مثلا. فتكرمت بمدي بهذا الموقع الإلكتروني الإسرائيلي و الذي هو بالعبرية و الإنجليزية. شكرتها على كرمها. و ذهبت بتلك المعلومة. ثم، ولمدة سنوات، تابعت ما ينشره هذا الموقع الإسرائيلي الذي تقرأه هذه الفتاة. وبمقارنة مقالات ذلك الموقع مع المواقع الأخرى العربية و الفرنسية و الإنجليزية فهمت جيدا لماذا قالت لي هذه الفتاة ما قالته، و لماذا تفكر ما تفكر.

في مرة أخرى كنت في زيارتي للهند، و إلتقيت بمجموعة من الشباب الإسرائيلي تتراوح أعمارهم بين 20 و 23 سنة. وتناولنا الموضوع الفلسطيني فقالوا لي : “نحن مع السلام فإن اليهود والمسلمين إخوة، و نريد العيش مع إخوتنا الفلسطينيين ونحن ضد إحتلال أراضيهم و لكن تلاعبوا بنا حكامنا و رجال سياستنا، و وظفوا الحرب و الخوف لمصالحهم الانتخابية والمالية و جندوا الصحافة و الإعلام من أجل ذلك. فبقينا نحن لا نعرف ماذا نفعل، فنحن نريد السلام والعيش السعيد والكريم”.

و مع كل إحتراماتي لسيادتكم سيدي الرئيس، أنتم تعلمون أيضا كل العلم بأنه هناك في بلداننا العربية أيضا حكام يتلاعبون بمأساة الشعب الفلسطيني و يوظفونها، بنفاق بذيء، لمصالحهم الشخصية أو المالية، أو الإستراتيجية، أو القومية، إلخ… وأنتم تعلمون أيضا بلا شك أن لدى الفلسطينيين و العرب أيضا صحافة و إعلام قد يكون أحيانا مجندا و موجها.

و لما مات شيمون بيرز، كتبت مقالا على صفحتي الإلكترونية أستغرب فيها كيف أن الدول العربية ما زالت لم تضع خطة واضحة و على المدى الطويل لكسر الحصار على الفلسطينيين و لتطبيق القانون الدولي على إسرائيل. ثم بمناسبة الذكرى الأخيرة للعدوان الإسرائيلي على حمام الشط في تونس، تفاعل كثير من التونسيين مع الحدث ونددوا بذلك العدوان و نادوا بتطبيق القانون الدولي على إسرائيل. و قلت أنا لبعض الأصدقاء أن بكاؤكم هذا لا يجدي و لا ينفع، فعليكم بالبحث عن الحلول و بالتحرك. فغضب البعض مني و قال لي أحدهم: “و ماذا فعلت أنت ؟ أنت الذي تقول لنا كفاكم بكاء فماذا فعلت ؟”

وهكذا إتضح لي أن التونسيين نساءا، رجالا، كهولا وشبابا مجندون للدفاع عن فلسطين و لحل المشكلة لكنهم لا يعرفون كيف ولا يعلمون ماذا يفعلون. و وجدت أنا نفسي أيضا في حيرة، فماذا أفعل وأنا لا أمثل إلا شخصي الضعيف، و لا أملك لا مال، و لا صحيفة، و لا حزب سياسي، و لا سلاح، و لا شيء عدا ما يمكن وجوده بين أذني. ففكرت قليلا و وجدت أن القضية الفلسطينية مشكلة كبيرة جدا ولا يستطيع أحد بمفرده وجود حل لها. و لكن يمكن التفكير في وجود حل. و المشاكل الكبيرة تتطلب حلول كبيرة.

و هكذا إتضح لي أيضا أنه لو جمعنا أكبر المختصين في تونس في علم التاريخ، والسياسة، والإعلام، والحرب، والسلم، وعلم النفس، والديبلوماسية، والديانات، والفلسفة، و إلى آخره، و وضعناهم مع بعضهم البعض في مجموعة تختص بدراسة المشكلة وإقتراح إستراتيجية قومية وإقليمية ودولية على مدة 30 أو 50 سنة، نكون ربما قد بذرنا أول بذرة لحل القضية الفلسطينية نهائيا. لأن 30 أو 50 سنة هو الوقت المناسب لتهيئة جيل جديد له القدرات لحل مشكلة لها عقود. وهذا لا يعني أننا لن نفعل شيئا الآن، بل بالعكس أنا الآن أكتب لسيادتكم لكني أفكر في وضع إستراتيجية على المدى البعيد، يكون تطبيق خطواتها واحدة بعد الأخرى على سنوات وحتى النصر.

أنا لست باستطاعتي تكوين هيئة مختصين و خبراء من أعلى مستوى لدينا في تونس، و دعمهم سياسيا وعمليا لدرس الوضع و إنشاء خطة. ولهذا فكرت مباشرة في شخصكم لأنكم رئيس الدولة، و لديكم تفويض ديمقراطي من الشعب، و الشعب يريد السلام و الكرامة للفلسطينين، و أنتم كذلك، و كل الأحزاب و كل منظمات المجتمع المدني ؛ و في كل أنحاء الجمهورية و في كل مدينة وقرية لديكم السند الشعبي و لديكم جيشا يتكون من ملايين من الناس و لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون للتنسيق بين جهودهم و يحتاجون إلى رؤية و قائد حتى لا ينعدم الأمل و ينتصر الإحباط.

و بما أنكم سيادة الرئيس المسؤول الأول على العلاقات الخارجية للدولة و الراعي للدستور، و بما أن توطئة الدستور التونسي تنص صراحة على الإنتصار “لحركة التحرر الفلسطيني”، إعتقدت أنه من الأجدر أن أتوجه بهذه الفكرة إليكم لعلكم تجدون فيها ما يصلح.

أنا أرى فيها عديد من المصالح كإرجاع تونس في مقدمات البلدان فيما يخص الدبلوماسية الدولية، ثم قد يكون لها أيضا مصالح داخلية عديدة، ويمكن أن يرى الشعب من خلالها أن الأمل موجود وأننا نعمل على المضي قدما لكسب التحديات الكبرى، و أن ما نفعله كل فرد على حده يصب كله نحو تحقيق هدف بعيد و لكنه سيتحقق. و إذا متنا نحن و لم نحققه، يجد أطفالنا كل الهياكل التي تدعم هذه الإستراتيجية و يواصلون العمل فيها و الجهاد لتحسينها.

أنا لست خبيرا في السياسة ولا في مشكلة الشرق الأوسط، و لكني لاحظت أننا، وبصفة عامة في تونس، ليس لدينا المعطيات اللازمة لفهم المشكلة بكل عمقها و من جميع أنحائها. فأنا بصراحة لا أعرف الوضعية الحقيقية في فلسطين و لا في إسرائيل و لا كيف تدور اللعبة السياسية في كل من البلدين، و لا كيف يرى سكان هذين البلدين المشاكل و الحلول، و لا من هو مع السلام فعلا و من هو مع الحرب و لماذا… فأنا أترك هذه الدراسات لأعضاء هذه اللجنة المختصة إذا تحققت، و بإمكان هؤلاء المختصين إنارة الرأي العام بما وجدوه و بما يقترحونه.

و لكني، و إذا سمحتم، أقترح أن هذه اللجنة تكون متكونة من أعضاء لهم أفكار مختلفة، و يكون عملهم لا يوظف لخدمة أي حزب سياسي ولا أية منظومة أخرى، حتى يتسنى لهم العمل بكل موضوعية و بإتباع القوانين العلمية و الإستراتيجية لكسب هذه المعركة، بعيدا عن الكراهية العمياء و التشنج و الحكم المسبق.

و يمكن لهذه اللجنة العمل بالتسلسل التالي :
1. تحديد الهدف و توضيحه حسب ما يعتقده الخبراء الأكثر ممكنا (إحتمالا) و يمكن إقناع الأغلبية به في تونس، في فلسطين، في إسرائيل و في الدول الأخرى.
2. تحديد الطاقات التي لدينا لتحقيق هذا الهدف. تحديد ما يميزنا و يجعلنا أقوياء، و ما ينقصنا و يجعلنا ضعفاء.
3. تحديد كيف توظف الطاقات و كيف نتدارك النواقص.
4. تحديد الحلفاء من الداخل و الخارج.
5. تحديد الأعداء و تصنيفهم.
6. دمج الشباب في هذه المعركة.
7. إنشاء معهد لدراسة مشكلة الشرق الأوسط، لتكوين جيل جديد من المختصين.
8. رسم إستراتيجية كبرى لتحقيق الهدف على 30 أو 50 عام.
9. إنشاء كل الهياكل لتفعيل هذه الإستراتيجية في كل أنحاء البلاد، وفي الخارج على المدى الطويل و حتى النصر.
10. تهيئة لما بعد إنتهاء الأزمة و التحرير الكامل لفلسطين.

أنتم تعلمون سيادة الرئيس أن تونس لديها مكانة خاصة في العالم و خاصة بعد إندلاع الثورة، وإنبهر بها العالم أجمع وإنبهر كذلك بنضج شعبها، وبحفاظها على الإستقرار و بمرورها قدما نحو تكريس الحرية السياسية والديمقراطية الحقيقية، ونال الرباعي جائزة نوبل للسلام. و لذلك، وإذا كان هذا تاريخ تونس القصير جدا، و أنتم تعلمون تاريخها البعيد، فأنا واثق أن تونس بإمكانها أن تكون في صدارة تحقيق النصر لفلسطين و إرساء السلام في كامل أنحاء العالم.

أمل سيد الرئيس أني أقنعتكم أن هذه الفكرة جيدة و قد يمكن تحسينها. و لكي لا أطول عليكم قراءة هذه الرسالة، اتنمنى لكم سيدي الرئيس التوفيق على كل حال، و الصحة و العافية و السعادة و العمر الطويل. و شكرا لإهتمامكم بهذا المقترح، والنصر لنا ولفلسطين إن شاء الله، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

نديم الحاج فرج